ويأبى البحر

**ذ. البويسفي** الثلاثاء أبريل 06, 2010 2:28 pm

ويأبى البحر...ا

اتجهتُ نحو الشمال، اخترقتُ جبال الريف، وصلتُ إلى طنجة، أمشي في شوارعها مطأطئ الرأس. كلما اقتربت من أوروبا، زادت معاناتي، أحس بشيء يجرني إلى الوراء، يحاول منعي من المضي، منظر غريب. كنت أتقدم إلى الأمام، لكن تفكيري، ووجداني بقيا مع الأهل، رفضا فراق الأحبة. أمشي في الطريق بين حشود من الناس في ازدحام الشارع، ولكنني رغم ذلك وحيد، غريب، خطواتي بطيئة، رجلي مثقلة علي..في حيرة مع نفسي.وصلت إلى الشاطئ، على مشارف البحر التفت وها أنذا اللحظةَ أفارق بلادي، أرحل عنها، أتركها، صعب عليَّ ذلك؛ لا أطيقه.
أأرحل عن وطن فيه ولدت وكبرت، قضيت فيه أحلى الساعات بين الأهل والأحباب تحت رحمــة الأب وعطـف الأم الحنــون؟ لماذا يا نفس تهجرين مجتمعاً تقاليده وعقائده تجري مجرى الدم في جسمك، عشت فيه حتى أصبح جزءاً منكِ وأصبحتِ جزءاً منه؟
ردت نفسي قائلة: أنا أيضاً لم أشأ هجران وطني، صحيح هو جزء مني؛ فأنا لم أُريد الانسلاخ عنه، لكنه أبى أن يحتضنني، أبى أن يوفر لي لقمة عيش، بخل عليَّ بعيش زهيد…
درست على حتى حصلت على أعلى الشهادات في بلادي، ثم طرقت كل أبواب العمل، طرقت كل باب يمكنني من خلاله أن أخدم وطني، ويوفر لي كسرة خبز.. للأسف لم أجد ولو باباً واحداً مفتوحاً في وجهي، أجلس بين أقراني وأصحابي أحسّ بالنقص؛ لأنني معطل، أبي وأمي وإخوتي الصغار ينظرون إليَّ، فأقرأ في أعينهم الحاجة وواقع حالهم يقول لي: أنقذنا من غول الفقر.
وجدتُ حجتها أقوى من حجتي فاقتنعت بالرّحيل.
امتطيت القارب، تناولت مِجدافيه، وجَّهته قِبَل الشمال، واستدبرت الجنوب. كانت الشمس في مغربها تستعد لتودعنا، والليل يتأهب ليرخي سدوله ويغطينا بظلام قاتم.. غابت الشمس، وحلّ الظلام؛ لكن القمر وعلى خلاف عادته لم يظهر..
ركبت القارب وسرت فوق موجات البحر أشق طريقي نحو الحلم، شيئاً فشيئاً أبتعد عن بلادي، لم أعد أرى أضواء طنجة.. أصارع أمواج البحر مع ظلمات الليل الحالك.
يا للأسف! هاج البحر، أمواجه تتقاذفني، فأحاول السيطرة على القارب، وأُمسك جيداً بمجدافيه لكن دون جدوى. الأمر أعظم مما كنت أتوقع.. أصبحت في خطر حقيقي، حركات البحر غير عادية، شعرت بالموت يهاجمني من كل جانب وأنا أقاومه وحدي. يا إلهي! يا إلهي! وأخيراً تمكنت من رفع سبابتي نحو السماء فنطقت بالشهادتين، ليضمني البحر في أعماقه بين ذراعيه، ويقول لي: اضطررتُ لأمنعك من السير إلى الجحيم الذي احترق به أسلافك من الأندلسيين والأواخر من المهاجرين الذين هم الآن يحترقون.
قال لي: اسألني! أنا الذي شاهدت مآسي الأندلس، ومحاكم التفتيش، ولا زلت أشاهد معاناة المهاجرين في أوروبا وهم يكتوون بنار الوحدة والغربة، والعنصرية التي يمارسها المستكبرون في الأرض.
ويأبى البحر أن تتكرر المأساة .

ذ. البويسفي محمد

**ذ. البويسفي** الثلاثاء أبريل 06, 2010 2:35 pm

هذه القصة كتبتها أيام الطلب حينما كنت في سنة الباكلوريا القديمة
أحببت أن أضعها بين يدي القراء الكرام بما تحمله من نفس شبابي وهموم الوقت زمن كتابة القصة
ومرحبا بتعليقاتكم ونقدكم البناء

fifi-fathia الأربعاء أبريل 07, 2010 3:20 pm

شكرا على هذه الإتفاتة الجميلة، لا أنكر أنها فعلا قصة جميلة ورائعة وأسلوب أروع.
فعلا موضوع الهجرة أصبح هاجس كل شباب اليوم حتى أصبح يسيطر على كل أفكارهم و أحلامهم دون ان يعي بالمشاكل التي يواجهها المهاجرون ومنها الرفض و التمييز. كما أن المهاجرون يواجهون صعوبة التأقلم نظرا للاختلاف المتباين في الثقافات والعادهت، وزيادة على هذا فغالبية المهاجرون المسلمون يضيعون دينهم إلا من رحمه الله.
مع فائق احترامي ؤتقديري
وأسأل الله أن يليني وإياكم التوفيق

ramis السبت أبريل 10, 2010 7:34 am

اكتشفت فيك يا اخي و استاذي ميزة الاسلوب التخيلي من خلال قصة ويابى البحر فعلا وبلى مجاملات جميلة و رائعة

soufiane boutarouine الأربعاء أبريل 14, 2010 4:51 am

ان هدا الموضوع رائع و مكتوب بطريقة احترافية بدون مجاملة كما ان الموضوع الدي تناولته هو الدي اصبح مسيطر عتى افكار العديد من الشباب. و اشكرك جزيل الشكر

عبد الصمد أفقير السبت أبريل 17, 2010 11:34 am

أشكرك أخي بويسفي على هذه الالتفاتة وأتمنى أن يسير التلاميذ على هذه الطريقة في ابداعاتهم،و توجيه انتباههم الى مشاكل قد يعيشها ابناؤهم

ويأبى البحر

ويأبى البحر

توضيح حول الفصة

رد: ويأبى البحر

اكتشفت فيك ميزة

راي في الموضوع

رد: ويأبى البحر