قصة قصيرة: للزمن عقاب

ذهب إلى السوق حاملا معه إرثه أو بالأحرى زوجته وقدره، وفي الطريق يستحضر كل الأيام التي سهرها للتخطيط لسلب متاع المرأة العجوز. لكن ما آلت إليه حاله لم يتوقعها حتى ألذ أعدائه. بدأ يسائل نفسه ندما على ما وصل إليه من خضوع لزمان الفقر الذي أراد أن يخرج من قعره بهذا الزواج حتى سقط في أعماق نفس القعر مع حمل أثقل، زوجة بلا مال ورغبة في أن تعود إلى شبابها
ماذا فعلتُ؟ أهذا عقاب من الله أن يرزقني فقرا ويهبها شبابا؟
بدأ الصراع النفسي والتفكير في قادم الأيام، وقد بدا على ملامحه حزن وكدر جعلاه يتثاقل في مشيته..وزوجته تبدو أكثر حيوية وسرعة في الوصول إلى السوق حتى تعيد لأسنانها البياض الذي فقدته بمرور السنين وتحيي الأضراس التي ماتت وتقتل كل السوس الذي أختبأ في ثناياها..
مرحبا بكما تفضلا..
.كانت هذه كلمات ترحيب من طبيب الأسنان أيقظته من غفوته وسهومه. طلب الطبي من المرأة أن تجلس على الكرسي وترفع رأسها.. فأسرعت واستعدت لكي تقوم بترميم ما أصاب الأسنان من آثار الزمان لتعود إلى ربيع عمرها وتهرب من اصفرار أوراقه.
قال له الطبيب ضع يدك وارفع رأس أمك حتى لا يؤلمها الكلاب
ماذا؟ أمي.. وقعت هذه الجملة على أسماعه كأنها سيوف تذبح كل أحشائه. لم يستطع تقبل ما قال الطبيب، لكنه مد يده وكظم غيظه وقال في أعماقه: إنها هدية من القدر على سوء أفعالي، إنها إرث يتقاذفه الرجال، فبعد أن أرسلت زوجها الأول ها أنا ذا صاحبه في القبر أحكي له ما فعلت العجوز التي أخافت الموت نفسه حتى أعاد لها شبابها، فكيف لرجل مثلي ألا ينهزم لهذه المرأة الفريدة
أنهى الطبيب عمله وعاد الرجل إلى واقعه فرأى حسن جمال اسنانها وبياضها المشع وضحكتها المثيرة فأغمي عليه.. ضحكت الزوجة فرحة لأنها اعتقدت أن الزوج من شدة إعجابه لم يستطع التعبير إلا بتلك السقطة. ثم أيقظه الطبيب وخرجا معا يتجولان في السوق والكل ينظر إلى تلك الأسنان المنيرة والمثيرة,, فيزداد غرور المرأة ومعه حنق الرجل
ظلت المرأة يوما كاملا وهي فاتحة فمها بافتخار وسعادة بعودة هذه الإثارة، تأكل وهي مبتسمة، تشرب وهي تخاطب الناظرين المعجبين ببياض ثناياها، تتكلم والآخرون مشدوهون بهذا الجمال.
عادا إلى البيت كل واحد منهما يحمل شعورا متناقضا، الزوج غاضب حانق والمرأة أصبحت أكثر الناس سعادة مما أرق الزوج الذي لم يتحمل هذا العقاب,,, ماذا يفعل بزوجة فقيرة مغرورة، فقرر الفرار وعدم الزواج قط، فقد أخذ من العجوز حقنة العزوبية.

محمد أيت الحسن