جبران خليل جبران
منتدى الإبداع لتلاميذ ثانوية إدريس الحريزي التأهيلية :: منتدى ثانوية إدريس الحريزي التأهيلية :: نادي الإبداعات الأدبية والفنية
صفحة 1 من اصل 1
جبران خليل جبران
حفار القبور
فى وادى ظل الحياة المرصوف بالعظام والجماجم .. سرت وحيدا فى ليلة حجب الضباب نجومها
وخامر الهول سكينتها .
هناك على ضفاف نهر الدماء والدموع المنساب كالحية الرقطاء والمتراكض كأحلام المجرمين
وقفت مصغيا لهمس الأشباح .. محدقا باللاشىء.
ولما انتصف الليل وقد خرجت مواكب الأرواح من أوكارها .. سمعت وقع أقدام ثقيلة تقترب منى
فالتفت فاذا بشبح جبار مهيب منتصب أمامى .. فصرخت مذعورا ( ماذا تريد منى ؟ )
فنظر الى بعينين مشعشتين كالمسارج ثم أجاب بهدوء ( لا أريد شيئا وأريد كل شىء )
قلت ( دعنى وشأنى وسر فى سلبياك ) .
فقال مبتسما ( ما سبيلى سوى سبيلك ) فأنا سائر حيث تسير ورابض حيث تربض ).
قلت ( جئت أطلب الوحدة فخلنى ووحدتى ).
فقال ( أنا الوحدة نفسها فلماذا تخافنى ؟).
قلت ( لست بخائف منك ) .
فقال ( ان لم تكن خائفا فلماذا ترتجف مثل قصبة أمام الريح ).
قلت ( ان الهواء يتلاعب بأثوابى فترتجف أما أنا فلا أرتجف ).
فضحك مقهقها بصوت يضارع ضجيج العاصفة ثم قال (أنت
جبان تخافنى وتخاف أن تخافنى فخوفك مزدوج ولكنك
تحاول اخفاءه عنى وراء خداع أو هى من خيوط العنكبوت
فتضحكنى وتغيظنى ) .
ثم جلس على الصخر فجلست قسر ارادتى محدقا
بملامحه المهيبة .
وبعد هنيهة خلتها ألف عام نظر الى مستهزئا وسألنى
قائلا ( ما اسمك ؟ ).
قلت ( اسمى عبد الله ).
فقال ( ما أكثر عبيد الله وما أعظم متاعب الله بعبيده
فهلا دعوت نفسك سيد الشياطين وأضفت بذلك الى
مصائب الشياطين مصيبة جديدة ).
قلت ( اسمى عبد الله وهو اسم عزيز أعطانى اياه والدى
يوم ولادتى فلن أبدله باسم آخر ).
فقال ( ان بلية الأبناء فى هبات الآباء ومن لا يحرم نفسه
من عطايا آبائه وأجداده يظل عبد الأموات حتى يصير من
الأموات ).
فحنيت رأسى مفكرا بكلماته .. مسترجعا الى حافظتى
رسوم أحلام شبيهة بحقيقته ثم عاد وسألنى قائلا
( وما صنعتك ؟ ).
قلت ( أنظم الشعر وأنثره ولى فى الحياة آراء أطرحها على الناس ).
فقال ( هذه مهنة عتيقة مهجورة لا تنفع الناس ولا تضرهم ).
قلت ( وماذا عسى أن أفعل بأيامى وليالى لأنفع الناس).
فقال ( اتخذ حفر القبور صناعة تريح الأحياء من جثث الأموات المكردسة
حول منازلهم ومحاكمهم ومعابدهم ).
قلت ( لم أر قط جثث الأموات متكردسة حول المنازل ).
فقال ( أنت تنظر بعين الوهم فترى الناس يرتعشون أمام عاصفة الحياة
فتظنهم أحياء وهم أموات منذ الولادة ولكنهم لم يجدوا من يدفنهم فظلوا متطرحين فوق الثرى ورائحة النتن تنبعث منهم ).
قلت وقد ذهب عنى بعض الوجل ( وكيف أميز بين الحى والميت
وكلاهما يرتعش أمام العاصفة ؟ ).
فقال ( ان الميت يرتعش أما العاصفة أما الحى فيسير معها راكضا ولا
يقف الا بوقوفها ) .
واتكأ اذ ذاك على ساعده فبانت عضلاته المحبوكة كأصول سنديانة
مملوءة بالعزم والحياة ثم سألنى قائلا ( أمتزوج أنت ؟ ).
قلت ( نعم وزوجتى امرأة حسناء وأنا كلف بها ).
فقال ( ما أكثر ذنوبك ومساوئك - انما الزواج عبودية الانسان لقوة
الاستمرار فان شئت أن تتحرر طلق امرأتك وعش خاليا ).
قلت ( لى ثلاثة أولاد كبيرهم يلعب بالأكر وصغيرهم يلوك الكلام
ولا يلفظه فماذا أفعل بهم ؟).
فقال ( علمهم حفر القبور وأعط كل واحد رفشا ثم دعهم وشأنهم ).
قلت ( ليس لى طاقة على الوحدة والانفراد فقد تعودت لذة العيش
بين زوجتى وصغارى فان تركتهم تركتنى السعادة ).
فى وادى ظل الحياة المرصوف بالعظام والجماجم .. سرت وحيدا فى ليلة حجب الضباب نجومها
وخامر الهول سكينتها .
هناك على ضفاف نهر الدماء والدموع المنساب كالحية الرقطاء والمتراكض كأحلام المجرمين
وقفت مصغيا لهمس الأشباح .. محدقا باللاشىء.
ولما انتصف الليل وقد خرجت مواكب الأرواح من أوكارها .. سمعت وقع أقدام ثقيلة تقترب منى
فالتفت فاذا بشبح جبار مهيب منتصب أمامى .. فصرخت مذعورا ( ماذا تريد منى ؟ )
فنظر الى بعينين مشعشتين كالمسارج ثم أجاب بهدوء ( لا أريد شيئا وأريد كل شىء )
قلت ( دعنى وشأنى وسر فى سلبياك ) .
فقال مبتسما ( ما سبيلى سوى سبيلك ) فأنا سائر حيث تسير ورابض حيث تربض ).
قلت ( جئت أطلب الوحدة فخلنى ووحدتى ).
فقال ( أنا الوحدة نفسها فلماذا تخافنى ؟).
قلت ( لست بخائف منك ) .
فقال ( ان لم تكن خائفا فلماذا ترتجف مثل قصبة أمام الريح ).
قلت ( ان الهواء يتلاعب بأثوابى فترتجف أما أنا فلا أرتجف ).
فضحك مقهقها بصوت يضارع ضجيج العاصفة ثم قال (أنت
جبان تخافنى وتخاف أن تخافنى فخوفك مزدوج ولكنك
تحاول اخفاءه عنى وراء خداع أو هى من خيوط العنكبوت
فتضحكنى وتغيظنى ) .
ثم جلس على الصخر فجلست قسر ارادتى محدقا
بملامحه المهيبة .
وبعد هنيهة خلتها ألف عام نظر الى مستهزئا وسألنى
قائلا ( ما اسمك ؟ ).
قلت ( اسمى عبد الله ).
فقال ( ما أكثر عبيد الله وما أعظم متاعب الله بعبيده
فهلا دعوت نفسك سيد الشياطين وأضفت بذلك الى
مصائب الشياطين مصيبة جديدة ).
قلت ( اسمى عبد الله وهو اسم عزيز أعطانى اياه والدى
يوم ولادتى فلن أبدله باسم آخر ).
فقال ( ان بلية الأبناء فى هبات الآباء ومن لا يحرم نفسه
من عطايا آبائه وأجداده يظل عبد الأموات حتى يصير من
الأموات ).
فحنيت رأسى مفكرا بكلماته .. مسترجعا الى حافظتى
رسوم أحلام شبيهة بحقيقته ثم عاد وسألنى قائلا
( وما صنعتك ؟ ).
قلت ( أنظم الشعر وأنثره ولى فى الحياة آراء أطرحها على الناس ).
فقال ( هذه مهنة عتيقة مهجورة لا تنفع الناس ولا تضرهم ).
قلت ( وماذا عسى أن أفعل بأيامى وليالى لأنفع الناس).
فقال ( اتخذ حفر القبور صناعة تريح الأحياء من جثث الأموات المكردسة
حول منازلهم ومحاكمهم ومعابدهم ).
قلت ( لم أر قط جثث الأموات متكردسة حول المنازل ).
فقال ( أنت تنظر بعين الوهم فترى الناس يرتعشون أمام عاصفة الحياة
فتظنهم أحياء وهم أموات منذ الولادة ولكنهم لم يجدوا من يدفنهم فظلوا متطرحين فوق الثرى ورائحة النتن تنبعث منهم ).
قلت وقد ذهب عنى بعض الوجل ( وكيف أميز بين الحى والميت
وكلاهما يرتعش أمام العاصفة ؟ ).
فقال ( ان الميت يرتعش أما العاصفة أما الحى فيسير معها راكضا ولا
يقف الا بوقوفها ) .
واتكأ اذ ذاك على ساعده فبانت عضلاته المحبوكة كأصول سنديانة
مملوءة بالعزم والحياة ثم سألنى قائلا ( أمتزوج أنت ؟ ).
قلت ( نعم وزوجتى امرأة حسناء وأنا كلف بها ).
فقال ( ما أكثر ذنوبك ومساوئك - انما الزواج عبودية الانسان لقوة
الاستمرار فان شئت أن تتحرر طلق امرأتك وعش خاليا ).
قلت ( لى ثلاثة أولاد كبيرهم يلعب بالأكر وصغيرهم يلوك الكلام
ولا يلفظه فماذا أفعل بهم ؟).
فقال ( علمهم حفر القبور وأعط كل واحد رفشا ثم دعهم وشأنهم ).
قلت ( ليس لى طاقة على الوحدة والانفراد فقد تعودت لذة العيش
بين زوجتى وصغارى فان تركتهم تركتنى السعادة ).
ramis- عدد المساهمات : 55
نقاط : 150
تاريخ التسجيل : 05/04/2010
منتدى الإبداع لتلاميذ ثانوية إدريس الحريزي التأهيلية :: منتدى ثانوية إدريس الحريزي التأهيلية :: نادي الإبداعات الأدبية والفنية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى